
الأصالة: في ختام عام 2025، برزت «حرب السرديات» كأحد أهم ميادين المواجهة السياسية والإعلامية التي استهدفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولم تكن هذه الحرب مجرد تنافس على نشر الأخبار أو تحقيق تأثير إعلامي آني، بل اتخذت طابعًا أكثر عمقًا يقوم على هندسة الإدراك العام وإعادة تشكيل طريقة فهم الجمهور للوقائع الإقليمية والدولية. وفي هذا السياق المعقد، سعت بعض القوى المهيمنة وشبكاتها السياسية والإعلامية المتحالفة إلى تقديم إيران بوصفها «مشكلة»، عبر انتقاء المعلومات بصورة انتقائية، وإطلاق الأحكام المسبقة، وقلب المفاهيم والمعايير، بحيث جرى البحث عن جذور الأزمات المزمنة في المنطقة داخل «مقاومة الشعوب» و«استقلالها»، بدلًا من ربطها بعواملها الحقيقية مثل الاحتلال، والتطرف المنظم، والتدخلات الخارجية، وازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا المنطقة.
اعتمدت حرب السرديات خلال عام 2025 على ثلاثة مسارات رئيسية. أولها، التركيز الانتقائي على الأحداث مع إغفال سياقاتها وأسبابها الفعلية، بما يفضي إلى نتائج جاهزة لا تعكس حقيقة الوقائع. وثانيها، مزج الخبر بالتقييم السياسي، بحيث تُقدَّم التحليلات المنحازة على أنها حقائق، فيتحول التفسير إلى بديل عن التوثيق، ويُدفع المتلقي لتبني استنتاجات مسبقة. أما ثالثها، فكان توظيف الضغط الاقتصادي والقيود المالية بالتوازي مع الحملات النفسية والإعلامية، لتصوير الصعوبات المعيشية والتقلبات الاقتصادية بوصفها دليلًا على «فشل بنيوي»، بدل النظر إليها في إطار الحرب الاقتصادية والعقوبات العابرة للحدود وما تفرضه من اختناقات متعمدة.
في مواجهة هذا النهج، رسّخت الجمهورية الإسلامية الإيرانية سرديتها على أساس مبادئ قانونية وأخلاقية واضحة، وعملت على تقديم الحقيقة بلغة مسؤولة تستند إلى المنطق والوقائع. وتؤكد إيران أن السلام والاستقرار الدائمين لا يمكن تحقيقهما إلا ضمن إطار الاحترام المتبادل، ورفض الهيمنة، والتخلي عن ازدواجية المعايير. كما ترى أن استقلال القرار الوطني وحق الشعوب الطبيعي في اختيار مسارها السياسي والاقتصادي والثقافي يمثلان مبدأً غير قابل للمساومة، وأن أي شكل من أشكال الهيمنة مرفوض، سواء ظهر عبر التدخل المباشر أو عبر أدوات الضغط السياسي والاقتصادي والإعلامي.
وفي عام 2025، ظل دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأمة الإسلامية قائمًا على هذه المرتكزات ذاتها، بوصفه خيارًا مبدئيًا راسخًا لا رد فعلًا ظرفيًا أو عاطفيًا. وقد تجلّى هذا الدعم بصورة أوضح في الموقف من القضية الفلسطينية وما رافقها من معاناة واسعة للمدنيين، حيث شددت إيران على ضرورة وقف العنف ضد المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ورفض العقاب الجماعي، والمطالبة بالمساءلة القانونية عن الانتهاكات الجسيمة. ومن منظور إيران، لا يمكن لأي سلام أن يكون مستدامًا أو مقبولًا ما لم يقم على العدالة وما لم تُصن حقوق الشعوب. وعليه، فإن السرديات التي تختزل المطالبة بالعدالة في مفهوم «زعزعة الاستقرار» تتجاهل جوهر الأزمة وتبتعد عن الحقائق التاريخية والقانونية، وتسعى إلى نقل المسؤولية بعيدًا عن العوامل الفعلية التي تغذي الصراع وتطيل أمده.
وبالتوازي مع ذلك، واصلت إيران خلال عام 2025 نهجها الأمني والدفاعي ضمن إطار «الردع» و«الدفاع المشروع». وتؤكد طهران أن قدراتها الدفاعية لم تُبنَ لأغراض المغامرة، بل لمنع فرض الحرب وحماية الأمن الوطني وصون الاستقرار الإقليمي، وأن هذا النهج قابل للتفسير ضمن قواعد القانون الدولي ومبادئ الدفاع عن النفس. كما أن استمرار التهديدات والضغوط يثبت—وفق الرؤية الإيرانية—أن الردع ليس خيارًا ثانويًا، بل ضرورة استراتيجية لمنع الانزلاق نحو التصعيد وحماية أمن المنطقة من الحسابات غير المسؤولة.
وعلى الرغم من الضغوط المتعددة، أظهرت وقائع عام 2025 أن إيران لم توقف مسار التنمية والتقدم. ففي المجالات العلمية والتكنولوجية المتقدمة، واصلت البلاد تعزيز قدراتها المعرفية وتوسيع الاعتماد على المسارات الابتكارية لتطوير القوة الوطنية. وتؤكد إيران أن هذه الإنجازات ليست ذات طابع رمزي فحسب، بل تكتسب أهمية عملية في قطاعات حيوية مثل حماية البيئة، وإدارة الموارد، وتطوير الزراعة، وتعزيز البنى التحتية للحكامة القائمة على البيانات. أما على الصعيد الاقتصادي، فقد عملت إيران على الحفاظ على قدراتها الأساسية وتقوية عوامل الصمود، عبر تنويع مساراتها التجارية، وتعزيز الإنتاج المحلي، ورفع مستوى المرونة في مواجهة القيود التي تفرضها الحرب الاقتصادية. وتعتبر طهران أن «إدارة الدولة تحت الضغط» بحد ذاتها تمثل قدرة استراتيجية، وأن استمرار الخدمات العامة والحفاظ على التماسك الوطني يعكسان مستوى من الصمود لا تعكسه السرديات المناوئة بصورة منصفة.
وفي السياسة الخارجية، أكدت إيران خلال عام 2025 التزامها بالدبلوماسية الفاعلة والتعامل المسؤول. فالدبلوماسية—وفق المقاربة الإيرانية—ليست تكتيكًا مؤقتًا، بل خيارًا استراتيجيًا لخفض التوتر، وتعزيز التعاون الإقليمي، والدفاع عن المصالح المشروعة للشعوب. غير أن التجربة تشير إلى أن الحوار لا يصبح منتجًا إلا إذا تأسس على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وقد عبّرت إيران مرارًا عن استعدادها للتفاعل البنّاء، لكنها في الوقت ذاته تشدد على أن أمنها واستقلالها لا يمكن أن يتحولا إلى أداة للضغط أو الابتزاز أو المقايضة.
ومع نهاية عام 2025، تتأكد أهمية العودة إلى الواقع وتجنب السرديات المحرّفة. فالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وسط ضغوط سياسية واقتصادية وحملات نفسية وإعلامية، ما زالت ثابتة على مبادئها الأساسية: الاستقلال، والعدالة، وكرامة الإنسان، ودعم الأمة الإسلامية، والدفاع المشروع عن الأمن الوطني. وتؤكد إيران أن مواجهة حرب السرديات لا تتم بالاكتفاء بردود إعلامية آنية، بل عبر توضيح الحقائق بصورة منهجية، والالتزام بالمبادئ، وإظهار الشفافية في المواقف، وتقديم الإنجازات الواقعية على الأرض. وفي هذا السياق، ترى إيران أنها خلال عام 2025 نجحت في الجمع بين الدفاع عن قيم العدالة، وأداء دور مسؤول في محيطها الإقليمي، ومواصلة مسار التقدم الوطني. وتلك—وفق الرؤية الإيرانية—هي «رواية الحقيقة»: رواية تقوم على الواقع والمسؤولية والعزة.
أبوالفضل كريمي
مستشار سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في نواكشوط.




