المجلس الاعلى للفتوى والمظالم :يفتي في موضوعي {الحبس} وزيارة {القبور}
السؤال: أرض محبسه عَلَيَّ حبسا معقبا وليس لديَّ مال أبني به دارا، وقد صارت معرضة للضياع، هل لي أن أبيعها وأشتري بثمنها دارا لها غلة؟
الفتوى رقم: 692/ م.أ.ف.م (031/024م)
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه؛
أما بعد: فإن الأصل المتَّفق عليه في المذهب أنّ الوقف إذا كان عقارا لا يجوزُ بيع ذاته ولا هبتُه، وأصل ذلك ما جاء في صحيح البخاريِّ أنّه صلى الله عليه وسلّم قال لعمر: “تَصدَّقْ بأصله؛ لا يُباعُ ولا يوهَبُ ولا يُورَثُ، ولكن يُنفَقُ ثمَرُه”. وقد اختُلِف في الحديث، فمن الرواة من وقفه على عمرَ بن الخطّاب رضي الله عنه، ومن أدلّة ذلك أيضا عمَلُ أهلِ المدينة، فقد جرى عملُهم ألّا يبيعوا، وبقاء أحباسهم إلى اليوم شاهدٌ لذلك، وجاء عن الإمام مالك أنّه قال: “لا تُباعُ الدَّارُ المحبَّسةُ وإن خرِبت وكانت عرصةً”.
هذا هو الأصلُ المعروف المنقول عن الإمام مالك رحمه الله، ولكنّ علماء المذهب أجازوا إذا خيف على العقار الحبُس الضياع وتعذّر الانتفاع به أن يُباع ويُشتَرَى عقارٌ آخرُ ينتفِعُ به المحبَّسُ عليه، بل جرى عمل أهل فاس بذلك كما قال الفلاليُّ:
ومــا مــن الحبس لا ينتفـع بــه ففيــه البيــع ليس يُمْنَــعُ
وبالمعاوضــة فيــه عملــوا علــى شروط عرفت لا تهمل
كوْنُ العقارِ خَرِبًا وليس في غَلَّتــــه مـــا بصلاحـــه يَفِـي
وفقْدُ من يُصلِحُــه تطوُّعــا واليأسُ مـن حالَتِهِ أن ترْجِعا
وبناء على هذا، فإنّ لناظر الحُبُس المذكور في السؤال ما دام الانتفاعُ به على الحالة المذكورة متعذّرا ويُخاف عليه الضياع، أن يبيعَه ويصرِفَ ثمنَه في عقار آخر يُمكن الانتفاع به سكنى أو اغتلالا؛ فإنّ ذلك هو مرادُ المحبِّس، ولا يكون ذلك إلا بحكم القاضي بعد ثبوت السبب والغبطة في العوض، ويسجل ذلك ويشهد به [المعيار: ج7، ص138].
وقد سبق للمجلس أن أصدر فتويين في نفس المسألة تحت الرقمين: 222 و298.
السؤال الثاني : ما حكم زيارة القبور وما كيفيتها؟
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه؛
أما بعد: فإن النبي صلى الله عليه وسلّم نهى عن زيارة القبور ثمّ أمر بها فنُسِخ النهيُ، لما في صحيح البخاري: “إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تذكر الآخرة”.
ونقل ابن بطال في شرحه على البخاري عن بعض العلماء أنّ النهى عن زيارة القبور إنما كان في أول الإسلام عند قرب عهدهم بعبادة الأوثان، واتخاذ القبور مساجد، فلما استحكم الإسلام، وقوِيَ في قلوب الناس، وأُمِنت عبادة القبور والصلاة إليها، نسخ النهى عن زيارتها، وأمر بها لأنها تذكر الآخرة وتزهد في الدنيا [شرح البخاري لابن بطال: 3/ 271]، وحكمها الندب والاستحباب، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأتي أهل البقيع فيسلّم عليهم ويدعو لهم، وكان يفعل ذلك بشهداء أحد.
وكيفيتها:
1 ـــ أن يقصد بزيارة القبور وجه الله تعالى وإصلاحَ قلبه بالاتعاظ والاعتبار، ونفعَ الميت بالدعاء، وأن يحضر قلبه في إتيانها، ولا يكون حظه التطواف على الأجداث فإن هذه حالة تشاركه فيها البهيمة؛
2 ــ أن يُسلِّمَ إذا دخل المقابر ويخاطبهم خطاب الحاضرين فيقول:” السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع أسأل الله لنا ولكم العافية.”، [كما في حديث مسلم: كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور.]
وله أن يدعوَ اللهَ تعالى لهم ولنفسه بما شاء من الدعاء، وله أن يزورَهم ليلا أو نهارا، بلا حدٍّ محدود في ذلك كلِّه.
وقد نظم العلامة محمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي-رحمه الله تعالى-المتوفى سنة 1323هـ حكم زيارة القبور وآدابها بقوله:
والله تعالى أعلم.