ما لكم كيف تحكمون !/ محمد ولد المنير
استمعت إلى كثير من الدعاة والفقهاء والأئمة والمثقفين والمحامين الذين يعارضون قانون محاربة العنف ضد النساء والفتيات، ولم يستطع أي واحد منهم أن يثبت أن في هذا القانون مادة واحدة مخالفة للشريعة، ولم يتمكن أي منهم أن يقول لنا ماهو الصريح من القرآن والحديث والإجماع والقياس الذي تعارضه نصوص هذا القانون.
تأكد لي مما لا يدع مجالا للشك أن جلهم لم يكلف نفسه عناء قراءة النص. ولو قرأوه لتقدموا بمقترحات وتعديلات للفقرات والمواد التي يعتبرونها مخالفة للشريعة، ولكن رفْضه جملة وتفصيلا يعتبر أمرا مشبوها. القاسم المشترك بين الكثير منهم أن أغلبهم يلعب على وتيرة الشعبوية والعاطفية وركوب الموجة، تحت غطاء الغيرة على الدين، للتغرير بالعوام والسذج. بل إن فيهم من لا يتوانى عن الطعن في دين كل من خالفه الرأي، وحتى تكفيره.
من هي الجماعات التي تعارض تحصين المرأة والفتاة ضد العنف ؟
تنقسم الجماعات التي تنشط اليوم في الحملة من أجل تحصين المرأة والفتاة ضد العنف إلى عدة أقسام :
– أئمة ودعاة يعتبرون أنفسهم حماة الدين، وعادة ما يتبنون جميع القضايا دون مراعاة الحد الأدنى من التأني تفاديا للخطأ. الغريب أن الكثير منهم اعترف بعد إلقائه الخطبة أو المداخلة النارية المشفوعة بالأدلة والبراهين أنه لم يطلع أصلا على نص القانون.
– المثقفين والقانونيين والدعاة ذوو التوجه الايديولوجي الواضح، الذين لا يتمتعون بالاستقلالية الفكرية، ومعروفون بانضباطهم والتزامهم بكل ما يصدر عما يعتبرونه مرجعية لهم، لأنهم يزكونها حد العصمة، ولو أنهم لا يعترفون بذلك علنا.
– الدعاة الجدد الذين يزكون أنفسهم ويعتبرون أنهم أهل الله وخاصته، وأنهم سيدخلون الجنة، ومن خالفهم سيلج النار. نصّبوا أنفسهم ناطقين باسم الدين، مع أن جل محاضراتهم متشائمة ومنفرة، في الوقت الذي يحتاج فيه الشعب المطحون تحت غلاء الأسعار وانعدام الخدمات، إلى من يرأف به، ويحيي لديه الأمل والتفاؤل. المفارقة أن بعضهم اعترف أيضا، بعد إلقائه محاضرات رقيقة ومؤثرة، أنه لم يقرأ القانون.
– جماعة من المحامين والحقوقيين يعارضون هذا القانون على أساس أنه قد يمكن تأويله، وهذا من أغرب ما سمعت، خاصة من طرف من يدعي المعرفة بالنصوص. فالنصوص كلها قابلة للتأويل، حتى الشرعية منها، وهذا أمر طبيعي وصحي.
– حراس المنظومة الذكورية الذين يريدون من الفتاة والمرأة أن تبقى أداة يستغلونها لتحقيق غرائزهم ونزواتهم، دون مساءلة أو عقاب.
– القوى الرجعية التقليدية التي تغلب عليها الفطرة وحسن النية، لكنها تخشى التغيير وتعتبر كل جديد مساسا بقيمها وعاداتها.
– بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين لا يهمهم الحق بقدر ما يهمهم حب التفاعل، يركبون كل موجة، ويخوضون في كل موضوع، سلاحهم تكرار العموميات والبديهيات والمسلمات، يعتقدون أنهم لا بد من أن يعلقوا على كل شيء، ويدلون برأيهم في كل موضوع، غالبا بصفة متطرفة.
– جماعة تعتبر أن النص مستورد من الغرب وهذا ما يجعله مشبوها، لأنها تعيش أزمة وجود وصراع خيالي مع قوى تآمرية غربية يهودية صهيونية رأسمالية وامبريالية تستغل المنظمات الدولية لتمرير اجندتها. نسوا أن كل ما يحيط بهم مستورد من الغرب وأن النص مطابق للشريعة من حيث المضمون.
– جماعة تعتبر النص مخالفا للدين لأنه مدعوم من طرف بعض المنظمات الدولية التي تحارب الإسلام، حسب نظرية المؤامرة التي يؤمنون بها، ويكررها عليهم بعض المثقفين الذين تبنوها كمفتاح لقراءة جميع الأحداث، لعدم فهمهم لتعقيداتها وتفاصيلها، وكذلك لعدم قدرتهم على تحليلها.
– جماعة ترفض القانون لأن هناك شخصيات وتيارات ينظر إليها المجتمع بريبة، نظرا لفكرها الحداثي أو توجهها النسوي أو لمواقفها السياسية. ما دامت فلانة أو فلان يدعم هذا القانون فهذا يعني أنه لا خير فيه وأنه مناف للإسلام. نسوا أو تناسوا أن الحق لا يعرف بالرجال، وأن من الجانب الآخر، إذا كانت فيه جماعة صادقة ففيه أيضا من يزور الأدوية والمواد الغذائية ومن يمتطي الدين لأجل أغراضه الدنيوية، كالمال والسياسة، حتى إن من المطالبين بإلغاء هذا القانون من يتحرش بالأطفال والفتيات والنساء في الأماكن العمومية والشارع والمنازل…
– جماعة معارضة مبدئيا لكل إصلاح وتغيير. لا تجد ذاتها إلا في الرفض والممانعة. هؤلاء العدميون المتشائمون الناقمون على البشرية الذين يتشدقون دائما بالنظريات الصدامية هم رأس البلاء، لا يريدون للوضع القائم أن يتغير.
– جماعة من المتحمسين الغوغائيين تعودت على أن تتبع كالقطيع، لا تفهم في النصوص ولا في الشرع ولا في القانون، تزكي أشخاصا حد التقديس، وتتلقف ما يقولون دون التفكير فيه أو وزنه على العقل والشريعة، عادة ما يصبحون أكثر تطرفا من أسيادهم الذين يقلدونهم في كل صغيرة وكبيرة.
– جماعة تعارض القانون انطلاقا من أجندتها الخفية التي لا يعلمها إلا الله. منها ما هو سياسي ومنها ما هو مادي ومنها ما هو غرائزي.
ومع ذلك، الأغلبية الصامتة تدعم تحصين المرأة والفتاة ضد العنف
الأغلبية من الفقهاء والأئمة والعلماء والحقوقيين والمثقفين والصحافة والمدونين أدلوا برأيهم بصفة موضوعية، دون غلو أو تجريح أو تكفير، وقدموا اقتراحات وتعديلات عملية، هدفهم هو الإصلاح. فلم يخوضوا في هذه البلبلة لأنهم يدركون من يقف وراءها، وما هو الهدف من شيطنة هذا القانون. أما أغلبية الرأي العام فهي صادقة وتفهم ضرورة تبني قانون يردع الجناة ويحمي المرأة، ولكن أكثرهم غير متمكن من تحليل النصوص من وجهة نظر قانونية وفقهية، وبقوا حيارى أمام هذه الحملة الشرسة والدعاية المغرضة ضد هذا القانون، فهم لا يثقون في بعض المطالبين بإلغاء القانون، لأن منهم شخصيات فاقدة للمصداقية، ومعروفة بسكوتها عن الظلم والفساد. كما أن الرأي العام لا يثق أيضا في بعض الشخصيات التي تدافع عن القانون ويعتبر أنها لا تمثل قيم الشعب ولا تراعي خصوصيته الدينية.
أخيرا، هذه أسئلة موجهة إلى كل من له عقل :
– هل تعتقدون أن الحكومة، ولو أننا نختلف معها في كثير، قادرة على سن قانون يخالف شرع الله ؟
– ألا تعتقدون أن اعضاء الحكومة والإدارة الذين يدفعون بهذا القانون لهم بنات غيورون عليهن بقدر ما تغارون على بناتكم ؟
– هل تعتقدون أن النواب والمثقفين المعارضين للنظام، والذين يدعمون اليوم هذا القانون عملاء ومتمالئون مع الغرب ولا يهتمون بالدفاع عن مقدساتنا ؟
– هل تصدقون فعلا أنكم وحدكم من يغار على هذا الدين وأن غيرتكم عليه تغنيكم عن التبصر والتأني في الأمور، حتى لا تقعوا في الخطأ ؟
– هل تعتقدون أن القضاة وأغلبهم من خريجي المحاظر سيطبقون قانونا يخالف شر ع الله ؟
هل تعتقدون أن لجنة “سيداو” التي وجهت رسميا انتقادات لاذعة لمشروع القانون، بخصوص الحصانة والولاية ومنع الزنا بالتراضي، ربما لأنه ملتزم بالثوابت الدينية، تجامل الحكومة الموريتانية ؟
الحقيقة أنه من الصعب مناقشة بعض المواضيع ذات الطابع الشرعي، لأن هناك من يعتبر أنه أكثر تدينا من غيره، وأنه وحده من يحمي المقدسات، في حين أننا جميعا نراعي حرمتها، والأخطر من ذلك أنهم نصبوا أنفسهم أوصياء على تفكير الناس وعلى دينهم، ويمارسون عليهم الإرهاب الفكري. فمهما كانت الحجج دامغة والأدلة واضحة، فلن يقبلوا أبدا التراجع عن مواقفهم السابقة. وهذا هو منطق المزايدة السقيمة، في ظل صدام المواقف بين المتطرفين من الجانبين. وبين هذا وذاك، تضيع مصلحة النساء والفتيات اللواتي يتعرضن لخطر التحرش والاغتصاب.
على كل من يقف اليوم في صف المعارضين لحماية المرأة والفتاة من التحرش والاغتصاب أن يدركوا أنهم يتحملون جزءا من المسؤولية في كل الجرائم التي قد تحدث ضد الفتيات، لأنهم اعترضوا على سن قانون رادع للمجرمين.
أليس منكم رجل رشيد…؟!