أخبارمقالات

محمد محمود ولد بكار يكتب: 20 سنة فقط وتكون موريتانيا تغيرت وإلى الأبد (ح: 2)

عملية التحول الكبرى التي تحتاجها موريتانيا في أربعة محاور:
 ثورة في التعليم
المشروع ليس مشروعا إصلاحيا للتعليم، بل هو مشروع للتحديث، ولذلك يمكن القيام به دون أن يتأثر نشاط وزارة التعليم، ودون أن تكون لها علاقة بما يتم الإعداد له والتفكير فيه، لأنه ينبع من إرادة الرئيس مباشرة، ويتبع له عبر انتداب لجنة خبراء بمعايير الكفاءة والاستقامة، ويمكن أن تكون خليطا من خبراء خارجيين، ومن أبنائنا. لدينا نخبة مشتتة بسبب استيلاء الغوغاء وأنصاف الأطر على تحريك دفة البلد بصفة دائمة وعتيدة رغم صمود البعض (الرئيس غزواني غير ربع وزاراته تقريبا خمس مرات خلال عهدته لكي يصل إلى الشخص المناسب دون جدوى ). وهنا تجدر الاشادة بصمود الكثيرين من الأطر النزهاء والأكفاء في البلد، نائين بأنفسهم عن “الاختلاط ” بجهود معهد مددراس ورئيسه القيمة في مجال النصح للبلد والتنبيه على الأخطار والفساد…لكن ذلك لن يمنع مرة أخرى من توجيه دعوة لنخبتنا الرائعة للنهوض بهذا المشروع : أجيال من النبهاء من خريجي المدارس المتميزة في العالم التي عادت أدراجها للخارج بعدما اجتاحتها خيبة الأمل وانتكاسة من الوضع في البلد، وقد ارتطمت بالواقع المرير وتفاجأت بالبيئة الطاردة لكل صالح وجدي وعبقري، خاصة أولئك الذين يحملون خبرات وتخصصات في مجالات مهمة لفكرة النهوض ويحملون أحلاما لوطنهم ويحملون الهم العام. هؤلاء الأصلاء النزهاء لم يجدوا مراغما من عمل في بلدهم أو وجدوه واستقالوا عنه (آخر ذلك الاستقالة عن إدارة المكتبة الجامعية) لأنه لا مكان في الغالب الأعم للجديين أو الشرفاء ، وقد أحاطتهم هذه الوضعية بانتكاسة عالية وبعزوف وهروب عن بلدهم وعن وظائفه. ومع ذلك يمكن استدعاؤهم عندما توجد روح وطنية ومشاريع طموحة يعهد إليهم بوضع تصور لها والمشاركة فيها مثل عملية التحول هذه .
خلال هذه العهدة يمكن وضع البنية التحتية التعليمية من منشآت ودراسة ميدانية وإرسال البعثات والتكوين بالنظر فقط للنتائج المرجوة في ضوء الالتزام بأهمية التحول. وهنا لن يكون بالإمكان الاعتماد على اللجان والشخصيات التي تجتر نفس التفكير من أبناء وأصحاب الإصلاحات السابقة التي لم تكن، في الحقيقة، طموحة ولا عميقة ولا جذرية، ولم تجد نفعا للبلد ولم تخدم كسب الرهانات العامة المرتبطة، ليس بمواكبة التطور العلمي والتكنولوجي العالمي، بل بتكوين قطاع وطني متجانس يقوم على كسب الرهانات الوطنية وينطلق من رؤية بعيدة أو تفكير تطويري للبلد وفق حاجاته الملحة وعبر التاريخ. كان كل شيء يدور في أفق ضعيف وقريب وآني، ويستجيب لحالة سياسية معينة أو لنقاش عقيم حول الوحدة الوطنية (معضلة سياسية ليس لها إسناد من الواقع)، ولم يستجب لطموحات شعب ولا لإرادة دولة، كما لا يمكن إسناد هذه البنية وإنشاؤها للشركات الوطنية التي يديرها صغار النفوس الجشعون اللاهثون وراء الأرباح دون أي بعد أخلاقي ولا فهم للمسؤوليات الجسام في البلد. لقد كانت بناية المكتبة الجامعية نموذجا صارخا لذلك وبنايات أخرى وعمارات حكومية دون تبني واستيعاب روح المشروع الوطني. فالولايات المتحدة الأمريكية عندما أرادت تشييد سفارتها في انواكشوط، انتدبت شركة تركية راكمت الخبرة والتجربة، لأن الهدف هو تشييد سفارة مرة واحدة في التاريخ. إن هذه البنية يجب أن تخضع لإرادة صارمة ولفكرة بنائها مرة واحدة في التاريخ، أي على مسافة زمنية ل 100 سنة تقريبا ،كما أن اللجنة يمكن أن تكون من مواطنين واجانب وشخصيات علمية، ومن هذه الدول التي نجحت ونهضت بسبب إصلاح التعليم عبر التعاون الديبلوماسي أو الثقافي أو عبر الشراكة . لقد أصبح التعليم هو رأس المال الحقيقي لأي أمة.. إن التطور الصيني مبني بالدرجة الأولى على عدد توليد وتكرار الاختراعات، فكلما يتم اختراع فكرة أو منتوج في العالم، تطوره الصين على 100 شكل وأكثر. وكان ذلك سبب الضجر الأمريكي منها خاصة فورة ترامب ضدها. وهكذا يكون العلم هو الحافز الأساسي للصناعات وللتطور . اليوم يمكن لأي بلد أن يتطور بالعلم دون المواد الأولية. وهكذا تطورت اليابان وهي عبارة عن آلاف الجزر البركانية، وسنغافورة التي كان يجتاحها الفقر والتوترات الاجتماعية إلى 1965 وغيرهما من الدول التي كانت متخلفة تماما، تطورت بالعلم وتغيير المناهج العلمية بينما ما تزال البلدان التي تعتمد قاعدة الاستخراج في اقتصادها وسعادة شعبها وعلى مواردها الطبيعية غير قادرة على النهوض بنفسها وبحضارتها والاستفادة من مقدراتها كاملة، وتعتمد على غيرها في كل مناحي الحياة، وكل ما تقوم به هو نقل الحضارة والثقافة والمصانع معلبة إلى بلدانها من دون نقل العلم والخبرة ولا حتى روح الحضارة، وهي بذلك تظل تحتاج لقطع الغيار وتعيش في تبعية دائمة للغير . فالكثير من التطور الحاصل في البلدان العربية لم يرتبط بالحضارة ولا بالثقافة، لكنه ارتبط بريع الصناعات الاستخراجية الأحفورية أساسا، وهكذا خلال أقل من عقد يمكن أن تنضم موريتانيا لتلك التجربة السيئة من خلال انضمامها لنادي الغاز وإنشاء غابات من الهيدروجين الأخضر وغيرها من مشاريع الطاقة والمعادن، لكنها من دون تحضير لهذه الوضعية بتحديث وضعيتها، ستظل تحت رحمة الشركات العالمية التي ستظل تحدد الخسائر والارباح، فقد كانت البداية سيئة مع شركة بي بي إنيرجي للغاز التي تعمل في حقل آحميم بين بلدنا والسينغال التي نقلت تكاليف الاستخراج من 3 مليار دولار ونيف إلى 10 مليار ونيف، “فمتى سيقطع الأوروبيون يد السارق؟ ” .كما تم بيع معدن الذهب (تازيازت )مراتٍ أمام أعيننا دون أن يكون لنا نصيب ولا رأي فيه بسبب انعدام الخبرة والعلم. ونفس الشيء، حددت تازيازت في بداية الاستخراج التكلفة بأقل من 300 دولار وعندما بلغ سعر أوقية الذهب 1800 دولار رفعت سقف التكاليف من جهة واحدة إلى 1200 تكلفة الأونصة الواحدة وبعد اكتشاف الدولة لذلك استنجدت بمكتب من دولة مالي راجع الحسابات إلى سقف 1100 تكلفة رغم تكاليف الادارة من الخارج كما حاولت الاستيلاء على منطقة التماي نفس المشاكل مع شركة النحاس حول الضرائب وشركة الغاز فالدولة لا تملك وسيلة قوية لاسترجاع حقوقها المغتصبة إلا بالتحكيم الدولي وذلك له عدة أخطار أهمها الخوف على السمعة في سوق الأعمال والثانية أنه لن تكسب الدعوى نتيجة لخبرة الشركات في المجال وهكذا تظل تستجدي حقوقها .
هذه الوضعية ستجعلنا دولة مستنزفة، لكن أيضا -مع الوفرة- مجتمعا نمطيا استهلاكيا مستوردا لكل مناحي الحياة ويقع أيضا في قلب صراع القوى العظماء ومصالحها على الطاقة والتقلبات الجيوبولوتيكية دون أن يملك خيارات النجاة .وهكذا لابد من عدم تكرار تجربة الأشقاء العرب الذين يعيشون تحت حماية الغير ويعيشون على ريع الثروات الطبيعية، مع أن محمد بن سلمان، وحده، يخطط للخروج من هذا المأزق رغم تشابك أضراس القبضة الأجنبية على مصالح بلده الحيوية والاستراتيجية، فالدارسون يعرفون أن روح الانتصار للبلد التي تتأجج بداخله على القاعدة التنويرية والتطويرية التي عبر عنها من خلال خطة التحديث 2030 هي أقصى ما يمكن القيام به في ظل عدم التخطيط الطويل المسبق للخروج من وضعية الارتهان للسياسات الاستخراجية التي بيد السوق العالمية، وأن المواقف السياسية هي الأخرى مرتهنة في نفس السياق. وهكذا نستلهم الخبرة من خطة السنة ل 100سنة التي ربطتها بناصية العلم والتي تسعى للتخلص من الهيمنة الغربية التي تقطع أوصالها وتقطع طريقها للخيرات الطبيعية وأسواق العالم خاصة صفقات الإعمار والإنشاءات والتسليح والطاقة والمواد الأولية. فها هي تنتشر في العالم عبر وسطاء وشركاء بحثا عن أي معدن تتلمظ بسبب تفوقها وحاجاتها لإطفاء نهمها للصناعة والتقدم .
إن العلم والتحديث بواسطة التعليم هو الخيار الأوحد للاستقلال والنهوض .وهكذا لا تزال موريتانيا قادرة على تبني خيار التحديث العلمي بدل التغلغل في الصناعات الاستخراجية عبر كمبرادوريات عالمية تسيطر عليها دول استعمارية شيمتها نهب خيرات الشعوب ودول العالم الثالث. فباستثناء ثلاث شركات سيئة السمعة ( تازيازت وشركة الغاز وشركة النحاس الأجنبيات بكل معنى ومدلول الكلمة، ,والتي تربطنا بها شراكة مصممة على استنزاف الخيرات مع الآثار الجانبية لتدمير البيئة، رغم محاولة الدولة اليائسة للتحسينات عبر سن القوانين)، فإن الدولة لاتزال في حل من الاستمرار في الدخول في تجربة جديدة عبر شراكة الاذعان والتبعية التي يفرضها نظام الاستثمارات والاستخراج العالمي والتي لا يمكن الاستغناء عنها إلا بالارتكاز والارتكان للعلم، لأنه هو الوحيد الذي سيغنينا عن استخراج مواردنا بطريقة التعبئة هذه، وسيفتح لنا خيارات عديدة للتطوير والاستفادة من الفرص الكبيرة التي يمكن اكتشافها بالتطور العلمي، كذلك تطوير قطاعاتنا الزراعية والرعوية والسمكية وحتى السياحية وغيرها. نحن مجبرون، بحكم المسؤولية، ونحن لم نزل نحافظ على مواردنا تحت أو فوق الأرض أو في البحر، أن نغير التوجه من طريقة استغلال مواردنا في ضوء التخلف والجهل، إلى صيانتها واستخراجها بعد تطوير وتدعيم طاقتنا البشرية ونظامنا التعليمي. وإذا لم يتفهم غزواني حجم ذلك ليدخل التاريخ، فإن حجم الوعي يزداد نحو انعطافة كبيرة وخطيرة على الشعب الموريتاني على هذه الاستاتيكية الخطيرة، والتي تدعمها جهود التمريغ والصراع الدولي على مصالحها المتعددة في موريتانيا (الهجرة ،الطاقة،الارهاب ،..)التي يخدمها وضع مماثل من التخلف والفساد ودعم صغار النفوس للوصول للسلطة. ومن الواضح أن الشرعيات البالية لن يكون بإمكانها استيعاب الأزمات المؤججة بالتوترات العرقية التي تدعمها القوى الطامحة في وضع اليد على البلد، وستكون 2029، في غياب التخطيط لمصير البلد بشكل جدي، بداية لتلك الانعطافة الخطيرة .

الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى