هل هنالك من يسمعني؟ / القصطلاني إبراهيم
أحيانا يضطر أحدنا بعد تكرار سؤاله دون مجيب، ليسأل بدله، هل هناك من يسمعني؟، لأنه بدأ يشك في سلامة سمع من يسأل.
تماما هو ما يحدث الآن في حالة واقع غزة مع الأمة الإسلامية و العربية، فبعد حوالي عقدين من الحصار و الحروب دفاعا عن شرف الأمة و مقدساتها، و سعيا لنيل حقوقها و إسترجاع أرضها و كسب حريتها و طرد الغاصبين المحتلين،
ها هي غزة اليوم تنادي بدمائها الطاهرة كل القادة: قادة الأمة الإسلامية و العربية و كل أحرار و قادة العالم، ليقفوا معها في وجه ظالم محتل لا يراعي إلا و لا ذمة، دون أن تجد مجيبا ، لتعيد السؤال قائلة “هل هنالك من يسمعني؟”
ها هم الأطفال و النساء و الشيوخ يقتلون قصفا بالأسلحة المدمرة على مرأى و مسمع من كل العالم، و هم يلوذون بالمستشفيات و يستنجدون أصحاب الضمائر و لكنهم في الأخير ينتهي بهم الحال أشلاء ممزقة بعد أن ارتكب في حقهم إلكيان الصهيوني أبشع أنواع المجازر ، و لسان حالهم يقول ” هل هنالك من يسمعني”
يتواصل القصف كل دقيقة على المباني العامرة بالسكان المدنيين و حتى في الشوارع و الأسواق ليزهق أرواح الأبرياء، لا لشيئ إلا لأنهم اختاروا كرامتهم على الهوان و الذل و أحبوا وطنهم و تشبثوا بأرضهم و حقهم، و رفعوا أصواتهم و نداءاتهم لكل العالم ليلتفت إليهم و ينصفهم و لكنهم حتى الآن لا مصغي لهم و لسان حالهم ” هل هنالك من يسمعني؟”
يكذب المحتل حين يدعي عدالة قضيته و حقه في الدفاع عن نفسه بأسلوب قذر يتحدى كل القوانين و الأعراف، فيستمع إليه الجميع، و يقره على كذبه و إدعائه الباطل، لكن أصحاب الأرض المستضعفين المنكوبين رغم صدقهم و عدالة قضيتهم و حقهم في الدفاع عن أنفسهم و أعراضهم و أرضهم لا أحد يهتم بهم و لا يستمع إليهم، سوى طائرات تقصفهم ليل نهار بغارات نارية لا تبقي و لا تذر و لا تميز بين بشر و لا حجر، تهدم المنازل فوق رؤوس اصحابها و تقتل المصلين في مساجدهم و الممرضين و المرضى في مستشفياتهم و المسعفين في سيارات إسعافهم، و لا احد يهتم بذلك.
تحت أنقاض المنازل المحطمة يوجد آلاف القتلى و المفقودين بسبب القصف العشوائي و المتعمد و الناتج عن أسلحة فتاكة محرمة دوليا، و لا أحد يتأسف و يتألم لذلك الواقع المحزن و المخجل، و لا أحد يستمع لأنات شعب يباد بأكمله، سوى رجل الإسعاف المدني الذي يصرخ عاليا بين طيات الجدران المهدومة لعله يعثر على ناج من القصف قائلا “هل هنالك من يسمعني”
إن واقع غزة اليوم يرسم حروفه على شفاه و جباه كل مسلم و كل عربي و كل إنسان حر، كاتبا لحظة تاريخية مفصلية من تاريخ النضال و الإباء مؤذنا ببداية نصر و تحرير لأرض المقدس و المسجد الأقصى، و نهاية إحتلال الصهاينة المغتصبين، فمن أحب ان يكتب مع الشهداء و المجاهدين و أصحاب الحق فله ذلك و من أحب أن يسير في فلك المنافقين و الظالمين فله ذلك، “ليميز الله الخبيث من الطيب”
(فهل هنالك من يسمعني؟)