مهما كانت براعة معدي خطاب السياسة العامة للحكومة في كل مناسبة إلا أنهم لم ينجحوا في رسم الصورة التي بذلوا جهدا مضنيا في رسمها لسد ثغرات الاختلال العام في الأداء الحكومي الكارثي على أكثر من صعيد وخصوصا في الميادين الحيوية للحياة التي تمس شؤون عامة الشعب الذي يعاني من استمرار تدفق دعاية الحكومة عن إنجازات وهمية دون أن يلمس لها أثرا رغم الأرقام المنتفخة التي تقدم في حصيلة عمل القطاعات انفاقا ضخما و أثرا هزيلا وضعيفا وغير مقنع.
يستعرض الوزير الأول تقريرا يتحدث عن تنويع الاقتصاد الوطني وتنمية المصادر الإنتاجية وهو تقرير مكرر يتم تدويره وإن اختلف في الشكل إلا أنه من حيث المحتوى لا جديد فيه من حيث الإنجازات وقياس التقدم الذاتي للمشاريع والمجالات التي يتحدث عنها التقرير.
ويستعرض التقرير رؤية لتنويع الاقتصاد الوطني وهو فعلا بحكم الواقع اقتصاد متنوع المجالات كالصيد والتعدين والزراعة وسوق الخدمات والتنمية الحيوانية والصناعة والتجارة والصناعة التقليدية والسياحة،
ومع أن هذه القطاعات حيوية إلا أن تقرير الأداء الحكومي لم يعكس صورة ناجزة فعلية عن الإنجاز الذي تحقق وانعكس بشكل ملموس على حياة السكان وذلك ناتج عن ضعف الأداء الحكومي ذاته والذي هو أشبه بمن عنده نيات ورغبات ولكنه من حيث السلوك الفعلي على الأرض لم يقدم خطوات وإنجازا يعكسه جهد ذاتي ملموس خاضع للقياس ليحدد حجم الإنجاز الفعلي الذي تحقق وكيف انعكس بشكل فعلي على حياة الناس في العاصمة والداخل مقاطعات وبلديات.
إن بعض البلدان المجاورة تملك فقط مكونة واحدة أو مكونتين مما لدى بلادنا من مقدرات إقتصادية ومع ذلك تحقق بها نتائج ملموسة كبيرة ومنعكسة بشكل واضح على حياة سكانها رغم أن وضعيتنا مثلا في أكثر من جانب تعتبر مأساوية بالمقارنة مع هذه البلدان.
ونظرا لكون التقرير استعرض مكونات الإنتاج في الاقتصاد الوطني فسنسجل الملاحظات التالية:
1- مجال التعدين : يشكل التعدين الأهلي أحد الروافع التي عرفها الاقتصاد الوطني خلال السنوات العشر الأخيرة ورغم انتاج 33 طنا في 2023 إلا أن سياسة الحكومة الفعلية على الأرض أقرب لخنق المجال والتحكم السلبي فيه بدل السعي لتطويره فقد طوقته بتشريعات وشبكات عامة وخاصة ومارست فيه أنواعا من التحكم الظالم الذي ينحاز للنافذين و المقربين من السلطة فشهدت السنوات الماضية تأميم “لمجاهر” لصالح النافذين تحت حجج واهية لا أساس لها غير حماية متنفذين سرقوا جهود المواطنين الذين ضحوا بكل شيْ من أجل اكتشاف هذا المجال والاستثمار فيه وكل ما حققت مجموعة منهم نجاحا في قطعة تأتي أدوات النفوذ لترحلهم منها وتأممه لصالح أفراد محدودين مقربين من نافذي السلطة محترفي التسلط والفساد.
ومن أبرز الاختلال الملاحظ على المجال الارتهان لسياسات البنك والصندوق الدولي فيما يخص تنظيم سوق الذهب والتي تحولت الى أداة للظلم دون أن تنعكس على مستوى استقرار العملة الوطنية وبالتالي حرمان البلاد من التطور الذي تتيحه هذه الثروة نتيجة الارتهان لسياسات مجربة الفشل الحتمي على المستوى الدولي
.
2- الزراعة : رغم أهمية قطاع الزراعة الذي تنفق الدولة سنويا على تطويره المليارات ولكنه وقع فريسة للفساد وضعف التخطيط والتنفيذ، فخلال الخمسية التي توشك على الانصرام لم يشهد القطاع تغيرا في واقعه رغم توفر كل المقومات لذالك من مساحات زراعية شاسعة وقدرات بشرية الا أن الفساد اقعد القطاع عن توفير مدخلات تحل مشاكل المزارع وتساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتى الذي ظل شعارا يتردد على ألسنة المسؤولين في ظروف إقليمية ودولية مضطربة في مجال الغذاء ورغم كون رأس النظام قام شخصيا بإعلان الحملة الزراعية من سد لكراير لتعزيز الزراعة المروية إلا أن التسيير الفاسد والطواقم غير الأكفاء نسفوا كل هذه الأحلام الجميلة.
فجاءت حصيلة هذه الحملة هزيلة لم يتجاوز التحسن فيها 10% عن سابقاتها وإن كان ثمة تحسن فهو في جانب وحيد هو إعادة تأهيل السدود مع التأخر في الإنجاز والضعف في المواصفات وفوق ذالك فيها الكثير مما يقال ومع هذا يبقى حجم الإنفاق كبيرا ولكنه لاينعكس بشكل مباشر على السكان المحليين الذين هم جزء من معادلة النجاح وخصوصا في قطاع الزراعة.
3- الثروة الحيوانية : تشكل الثروة الحيوانية مرتكزا كبيرا في التنمية المحلية للبلاد ورغم المشاريع المتعددة التي أعلن عنها إلا أن جل الحصيلة في هذا المجال جد ضعيفة مقارنة بما هو ممكن في هذا الصعيد إذ لم تنعكس الميزانية الضخمة للقطاع على واقع الناس بينما استأثر النافذون والفاسدون بكل شي أما المنمي فحتى كمية العلف المقررة للقطاع ودعمه فإنه يحصل عليها بشق الأنفس وبمحاصصة ظالمة مما يجعل المنمين الحقيقيين فريسة للتجار والنافذين الجشعين في البلاد والذين يرفعون أسعار المادة مما يخلق غلاء فاحشا في كل عام.
4- التشغيل : يشكل التشغيل هاجسا حقيقيا للحكومة في كل عام ومع ذلك فإن حجم الإنجاز في هذا المجال يعتبر ضعيفا وهزيلا والتظاهرات المطالبة بالاكتتاب امام كافة القطاعات ابسط دليل على ذالك
5- هجرة القوى العاملة: يتحدث عرض الحكومة عن التشغيل وأرقامه ولكنه اغفل ظاهرة الهجرة المستفحلة والتي وصلت في العام 2023 إلى مستويات قياسية مما ينذر بمخاطر كبيرة ومما يؤكد خطورة ظاهرة الهجرة المتفاقمة والتي مست حتى قطاعات حساسة في أجهزة الدولة وباتت تقدر بعشرات الآلاف تشمل النساء والأطفال وأصحاب الشهادات.
ويمكن الرجوع الى نص مداخلة وزير الخارجية الموريتاني أمام البرلمان بتاريخ 16-11-2023 والذي أكد أنه وفقا لإحصائيات رسمية أمريكية صادرة عن مكتب الجمارك الفيدرالي فإن “عدد الموريتانيين الذي دخلوا الأراضي الأمريكية خلال سنتي 2022 و2023، تجاوز 16 ألف شخص”.
وبالجملة فإن عرض السياسة العامة للحكومة قدم تصورا عن نيات ورغبات العمل الحكومي في الإنجاز خلال السنة المقبلة وجاء التقرير حذرا في لغته وتعميميا ولم يستعرض منجزات ملموسة عن الأداء بقدر ما جاء وصفيا يتحاشى الجزم ولم يقدم حلولا للإشكالات الكبرى سواء على مستوى تقريب الخدمات للمواطن فالصحة تعانى نقصا حادا في الكوادر وضعفا وترهلا في المنشأة ونقصا في التجهيزات وتزويرا وغلاء للأدوية والتعليم يعاني من ضعف في المناهج وتدنى نسب النجاح وضعف المخصصات للطواقم التربوية..أما رداءة المتوفر من الطرق على قلتها وغلاء الطاقة والمحروقات رغم انخفاض أسعارها عالميا ورغم آفاق الغاز الذي يتم التعاطى معه بأساليب وأدوات تثير أكثر من سؤال مقارنة مع الجارة السنغال.
أما على مستوى الإشكالات المجتمعية فرغم اعتماد النظام سياسة تخصيص أرقام كبيرة من الميزانية للتكفل الاجتماعى والتوزيعات المالية فإن نسب الفقر لاتزال شاهدة على فشل المقاربة حيث يوجد في موريتانيا، ما يقارب 2.3 مليون شخص أي 56.9% من السكان أي ستة أشخاص من كل عشرة، يعيشون في حالة فقر متعدد الأبعاد ويحرم هؤلاء الفقراء في المتوسط (56.3%) من المؤشرات المرجحة من حيث التعليم والصحة وظروف المعيشة والتوظيف.
يعد الأطفال الذين هم في الفئة العمرية من 0 إلى 17 عامًا، والذين يمثلون أكثر من نصف سكان موريتانيا (50.7%)، هم الفئة العمرية الأكثر فقرا حيث:
يعيش 61.9% منهم في حالة فقر متعدد الأبعاد وتبلغ قيمة مؤشر قياس الفقر متعدد الأبعاد IPM-M الخاصة بهم 0.352، وهي النسبة الأعلى من بين جميع الفئات العمرية.
ومع هذا كله تبقي معضلة الفساد المحسوس والملموس أم المشكلات وأخطرها حيث يتضح جليا أن الإطار القانوني والتنظيمي لمكافحة الفساد غير كاف لمعالجة مخاطره القائمة، كما أن جهود مكافحته لا تستند لاستراتيجية فعالة أو آليات واضحة لتنسيق أنشطة مكافحة الفساد.
وتبلغ قيمة مؤشر قياس الفقر متعدد الأبعاد IPM-M الخاصة بهم 0.352، وهي النسبة الأعلى من بين جميع الفئات العمرية.
ومع هذا كله تبقي معضلة الفساد المحسوس والملموس أم المشكلات وأخطرها حيث يتضح جليا أن الإطار القانوني والتنظيمي لمكافحة الفساد غير كاف لمعالجة مخاطره القائمة، كما أن جهود مكافحته لا تستند لاستراتيجية فعالة أو آليات واضحة لتنسيق أنشطة مكافحة الفساد.