أخبارمقالات

د.حماه الله ولد السالم يكتب /؟إنقاذ موريتانيا من نفسها!

إنقاذ موريتانيا من نفسها

يبدو هذا العنوان غريبا بل صادما، لأنه في الحقيقة لا يمكن إنقاذ كيان من نفسه إلا إذا كان مريضا بعلة تسكنه وتكبت أنفاسه وتخامره وتملك على نفسه أقطارها وتتلون وكأنها هي الكيان الحقيقي وهو حال بلدنا منذ عقود كادت تصيرا دهرا، وهو خداع آن له أن ينتهي.

الدولة غول خبيث يتلفع بأثواب مزركشة، ويخدع الجميع، لكنه يصيرا ضعيفا خائر القوى كلما لبسته روح شريرة، بل يكون سقيما ومثيرا للشفقة.

موريتانيا كيان مسكون بروح شريرة وهو بحاجة إلى رقية أقوى من كل العزائم والتمائم، رقية تنقذه من نفسه أي من الحياة بجسد معذب ونفس شريرة تجعل روحه تكاد تخرج من خرم الإبرة أو هي أقرب.

يقال إن الروح الشريرة كانت تسكن كيانات كثيرة، من قبيل جسد “تشيلي” ولم تغادره إلا بخدعة شعبية بالغة البساطة، جعلت التشيليين يتشبثون بالأمل ويبشرون الكيان بأنه معافى وأنه مقبل على حياة أفضل، ثم سرَتْ روح طيبة خلال الديار وغمرت النفوس باطمئنان عجيب وكان ما كان وقد حدث شيء من هذا القبيل في كيانات أخرى مثل إسبانيا في عهد فرانكو وفي البرتغال مع سلازار.

لم تتخلص تلك الكيانات من الأرواح الشريرة بانفعال عبثي من الشتائم والسباب بل العكس تلك الأرواح تتشبث بالكيان “الجسد” كلما أُضيرت في “كبريائها” المصطنع الذي لا يظهر إلا في النياشين والأوسمة، وهو ذاته حال الوعيد والتهديد وحتى الإصرار على الأذى وتصفية الحساب وكلها ستنتهي بطريق مسدود.

أما الحوار مع “الرُّقاة” (مثل الحزبيين ومثل الموسميين الذين يأتون مع فصل الأمطار ويذهبون معه ومثل السماسرة باعة الوهم وحتى مع القلة من أرباب البصائر) فهو ضالة تلك الأرواح الشريرة لأنها تنطق بلسان الكيان ويمكنها ممارسة اللعبة على طريقة: ماذا، لو، ونحن وأنتم.. على لسان الضحية عقودا طويلة وحتى إلى ما شاء الله. لكن أخشى ما تخشاه الأرواح الشريرة هو التبشير بالأمل والكف عن الأهازيج والحفلات الصاخبة من قبيل رقصة الزّارْ.

حفلات الزّارْ

“الزّارْ هي مجموعة من أشباه الطقوس الشعبية، لها رقصات خاصة، وعبارات خاصة، تصاحبها دقات معينة صاخبة على الدفوف وإطلاق البخور. والزار كلمة عربية مستعارة على الأرجح من اللغة الأمهرية، ويذهب بعض الباحثين إلى أن أصل كلمة الزار عربي، وهي من زائر النحس. وهذه المجموعة من أشباه الطقوس الشعبية تعمل على طرد العفاريت التي تتقمص بعض الناس، ولذلك فالزار يقوم عند معتقديه بوظيفة علاج”.

الممارسات الاحتفالية الفولكلورية التي تصحب توزيع الريع العام أو الصراع حول الغنائم الانتخابية أو حتى الوقوف صفوفا في زيارات كرنفالية أو شخصية (للتهنئة أو “التعزية”) هي ذاتها رقصة الزار التي تستجدي الروح الشرير أن يسكن قليلا أو يخرج من الكائن الملبوس. وقد عاش أهل هذا الكيان حفلات الزار منذ مدة طويلة حتى أصبحت أمرا عاديا لكنه صار جزء من حياتهم اليومية؛ إنه سلطان العادة شديد الوقع على النفس والبدن الذي جعل الجميع يريد أن يكون شيئا مذكورا وفي طرفة عين وبدون انتظار، إنه الصعود من دون سلم لأن البصيرة طمست بالطمع والجشع من أجل طموح كاذب.

انفجار الطموحات

الكل يريد أن يكون “شيئا” وهو من حقه، لكنه ليس حقا مكتسبا أو بديهيا إنه السعي الدؤوب وفق أجندة معقولة لنيل الحظوظ والسير باحترافية مع القدر السرمدي الرهيب الذي لا يمكن التنبؤ بتقلباته ولا نتائجه.

الأرواح الشريرة تتربص بهؤلاء الساعين إلى “المجد الوهمي” الذي يجدونه في المناصب والمراتب والهيئات والمال السهل، إنها من قبيل ما يسميه الباحثون عن “المطالب” وهي مظان الكنوز، سراب الأرواح ونهايته الظمأ والهلاك في صحاري مخيفة.

بعض الأرواح طيب وحنون والبعض الآخر شرير بطبعه، لكنها جميعا تشترك في شغفها بالسيطرة على الكيانات المنحوسة مثل بلدنا وهي أيضا تفعل ذلك بسبب هاجس الخوف من الفراغ ومن غياب الفعل إنها أداة للعمل حتى ولو كان عملا عبثيا المهم أن يظل الجسم مشغولا بها تسكنه وتملؤه وتمنعه من الشعور بالخواء الذي يخشاه خشية أزلية وهو عيب خلْقي تاريخي صاحبه عبر تاريخه منذ آلف سنة أو أكثر.

روح شريرة تسكن قلب أمتنا وتتلون بكيان بلدنا وتجعله في غيابة النوم العميق أو الخوف من كل شيء، وتجعله أيضا بلا بوصلة، بل هو بلا قِبْلة تنجيه من عذابات الضمير ومضلات الفتن.

هو تماما حال المسكون بروح شريرة تنطق بلسانه وتسكن بدنه وتعيش معه كل لحظة ونفس، تريد أن تكون هو، رغم أن الناظر من “الخارج” يرى كيانا واحدا أو في الحقيقة ينكر وجود كيان مواز هو الدولة ـ الكيان لأنه لا يعترف بتلك الميتافيزيقا، إنه نوع من المكابرة في المحسوس أو في الحقيقة غرور معرفي متجذر أو هو في الحقيقة عمى مصطنع من أجل مصالح بعينها.

أما في “الداخل” فالرؤية ضبابية أكثر وخليط من الشك والظنون وحتى العبث وربما هو نوع من “الرضا بالقضاء” وهو شعور إيماني قد يكون صادقا لكنه لا يبرئ الذمة ولا يخلص من بذرة الشك والريبة.

الروح الشريرة التي تسكن الكيان الوطني منظمة وقاسية لكنها تميل إلى الدعة والراحة كلما وجدت إلى ذلك سبيلا، هو دأبها في الكثير من الأقطار والأزمنة، لكنها في قطرنا لا تحتفظ بالقوة إلا لتؤذي أو تظلم ولو من سبيل معوج وضعيف، تمتص قوة الكيان رويدا رويدا ولن تخرج إلا بعد أن يكتمل امتصاص الرحيق أي في الرمق الأخير، لأنها تعيش على ذلك ولا تستطيع الاستغناء عنه لحظة، إنها تريد لهذا الكيان أن يصبح جثة هامدة لن تنفع أحدا لأنها لم تعد تصلح لأي شيء.

الرقاة بكل أصنافهم الحقيقيون والزائفون والنبلاء والقذرون يعرفون تلك الحقيقة لكنهم لا يستطيعون حيالها شيئا إنهم يتركون الكيان لقدره المحتوم أو لمزاج الروح الشرير وتقلباته.

لن تخرج هذه الروح الشريرة من جسد الكيان الوطني إلا بـ رُقْيا مزدوجة تؤلم الكيان وتخيف الروح الشريرة.

الرقية هذه المرة ستكون قاسية ومفاجئة تأتي دفعة واحدة ونتائجها مضمونة مائة بالمائة.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

د.حماه الله ولد السالم 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى