موريتانيا والهوية العربية: بين الخصوصية التاريخية وتحديات الحاضر / ذ. السالك ولد اباه

*تمهيد:*
في ظل استعداد البلاد لحوار وطني جديد، تشتد الحاجة إلى تأمل السياق التاريخي الذي تشكّلت فيه الدولة الموريتانية الحديثة، ونُظِر إلى هويتها، في توازن دقيق بين المكونات، دون مجاملة تُفرغ الأغلبية من دورها، أو تهميش يُقصي الآخرين.
*1. موريتانيا: بلد بخصوصية فريدة*
ليست موريتانيا مجرد دولة من دول الساحل، بل كيانٌ نشأ على التماس الحضاري بين الصحراء الكبرى وإفريقيا الغربية، وظل لقرون يُعرَف بـ”شنقيط” أو “المنارة والرباط” أو “المنكب البرزخي”. أما التسمية الحالية، فقد جاءت في سياق استعماري أراد فصل البلاد عن عمقها العربي المغاربي.
*2. إدارة من خارجها وهوية بقيت تقاوم*
تولّت فرنسا إدارة موريتانيا من سينلوى ثم من داكار، وفرضت النموذج الإداري والثقافي الفرنسي، لكنها واجهت مقاومة صلبة، مسلحة وثقافية طالت قرابة اربعين سنة . وبعد الاستقلال، سُلمت السلطة تدريجيًا لرجال الإدارة الأكثر كفاءة، بغض النظر عن مواقفهم من فرنسا، الاستعمارية ؛ في سبيل بناء الدولة.
*3. معركة الهوية*
ورثت موريتانيا تحديًا شائكًا: كيف تبني هوية وطنية متوازنة، مع وعيٍ مرهفٍ بوجود أقليات عرقية، بعضها سعى إلى إعادة صياغة ملامح الدولة على مقاس اضغاث احلام ؟ هذا ما يفسر القلق المتواصل تجاه محاولات نفي عروبة البلد أو تقزيمها.
*4. المفارقة السكانية*
رغم أن الأقليات مجتمعة لا تمثل أكثر من 20% من السكان، فإن بعض الأصوات الزنجية الطابع، لا تزال تدفع باتجاه خطاب إقصائي، يتجاهل التوازن الديمغرافي والتاريخي، ويتغذى من قوى خارجية، لا من تطلعات وطنية جامعة.
*5. فرنسا ودعم الدولة الفتية*
دعمت فرنسا مبكرًا استقلال موريتانيا لأهداف استراتيجية، وساندت عضويتها في الأمم المتحدة، وموّلت انطلاق ديبلوماسيتها الناشئة، وشجّعت على فتح السفارات. لكنها في المقابل، استبعدت رموز المقاومة ، واستبقت حضورها الثقافي العميق.
*6. حين تتكلم الولف وتصمت الأغلبية*
يُلفت الانتباه أن “الولف”، وهي أقل المجموعات عددًا وأكثرها تواجُدًا غير نظامي، لم تدخل صراع الهوية، ولم تسعَ إلى فرض أجندة ثقافية بديلة، خلافًا لتيار “افلان” الذي لم يخفِ تطلعه لحكم البلاد، وإنكار عروبتها.
*7. خطر التمثيل الوهمي*
المعارضة الشكلية التي فُرضت لإرضاء المانحين أو تجميل المشهد الديمقراطي، لا تعكس دائمًا نبض الشارع، ولا تحترم خصوصيات الدولة، مما يُفرز حوارات بلا عمق، أو ذات أجندات مشبوهة .
*8. مسؤولية الحوار الوطني*
مع اقتراب الحوار المرتقب، يُخشى أن تتصدره منابر ذات مرجعية يسارية زنجية معروفة بعدائها التاريخي للهوية العربية الإسلامية للدولة. لذا، فإن مسؤولية القوى الوطنية أن تُحصّن مكتسبات الأغلبية، لا أن تفرّط فيها تحت شعارات التوافق الزائف.
*9. التوازن لا يعني التنازل*
التعايش لا يقوم على التذويب، ولا تُبنى الدول على الحياد الهوياتي. فالمطالب المشروعة يجب ألا تكون ذريعة لهدم الأسس الجامعة، ولا لإقصاء الأغلبية لصالح رؤى أقلوية لا تمثّل إلا نفسها.
*10. التوصيات:*
– ضرورة تحصين هوية الدولة العربية الإسلامية في أي حوار مرتقب.
– التأكيد على أن الوحدة الوطنية لا تُبنى بإضعاف مكوّن الأغلبية.
– رفض الالتزام الرسمي بمخرجات أي حوار تتصدره قوى تُنكر عروبة الدولة أو تحمل مشروعًا إيديولوجيًا يُخالف الدستور.
– توسيع قاعدة التمثيل لتشمل القوى الثقافية والعلمية، وليس فقط الأحزاب المؤدلجة.
– دعوة المؤسسات الوطنية لتحمل مسؤوليتها في حماية الثوابت العربية والإسلامية.
*خاتمة:*
إن موريتانيا، بعروبتها وحنفيتها، ليست رقعة عابرة على خريطة القارة، بل جسر بين الذاكرة والمصير، بين شنقيط التي أضاءت المغرب الإسلامي علماً ، وموريتانيا الحديثة التي ما زال عليها أن تُعيد تعريف ذاتها. فالدولة التي لا تصون هويتها، كالشجرة التي تنسى جذورها… تنهار حين تهب الرياح.
ذ. السالك ولد اباه




